
المربع نت – منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في عام 2022 وانسحاب جميع شركات السيارات الغربية من السوق الروسي سريعاً وبيع جميع مصانعهم وممتلكاتهم هناك بسعر التراب؛ اعتمدت روسيا على الصين بشكل شبه كلي لملء هذا الفراغ في كل القطاعات الاقتصادية الرئيسية، بما يشمل السيارات.
وقد كانت صفقة مربحة ومغرية للطرفين.. الصين ستشتري الغاز والنفط والمعادن من روسيا، وهي أموال ستوظفها روسيا لتمويل حملتها العسكرية في أوكرانيا، وفي المقابل، ستحظى الشركات الصينية بحضور مميز وغير مقيد في السوق الروسي، وخاصة سوق المركبات التجارية وسيارات الركاب.
ولكن يبدو أن روسيا لم تقدّر بالشكل الكافي حجم الفيضان الصيني الذي انقض على شوارعها مؤخراً، مع ارتفاع هائل بسبعة أضعاف لمبيعات السيارات الصينية في روسيا خلال الأعوام الثلاثة الماضية.
حالياً، روسيا هي أكبر وأهم سوق أجنبي لشركات السيارات الصينية بحصة مدهشة 63%، مقابل حصة 29% فقط لشركات السيارات الروسية المحلية، مع وصول عدد السيارات الصينية المسجلة في الشوارع الروسية إلى أكثر من 2.3 مليون سيارة.
والآن من الواضح أن حكومة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لم تعد راضية عن هذا الخلل العميق في السوق المحلي، مع اتخاذ قرارات مفاجئة مؤخراً بفرض ضرائب غير مباشرة على السيارات الصينية في محاولة متأخرة لدعم الصناعة المحلية، وسنستعرض في هذا المقال تطورات سوق السيارات في روسيا والاكتساح غير المسبوق للعلامات الصينية هناك خلال الأعوام الماضية.
الوصول السريع للمحتوى

هيمنة صينية مطلقة على السوق الروسي
فلسفة صناعة السيارات في الصين مختلفة عن أي صناعة وطنية أخرى حول العالم في جانب بالغ الأهمية.. وهو أن معدل الإنتاج مربوط بأهداف نمو ثابتة تحددها الحكومة الصينية كل عام وتطلب من جميع شركات السيارات التابعة لها الالتزام بها بصرامة، بغض النظر عن مستويات الطلب المحلي.
ويعني ذلك أنه كل عام، تنتج المصانع الصينية فائضاً قد يصل لملايين السيارات التي لا يحتاجها السوق الصيني المشبع بالفعل.. والحل الوحيد لها هو إطلاق هذا السيل اللامحدود من السيارات في أسواق أجنبية بأسعار رخيصة، ومزاحمة المنافسة المحلية حول العالم.
هذا ما قامت به الصين بنجاح مدهش في آسيا وأمريكا اللاتينية والشرق الأوسط، كما بدأت باختراق الأسواق الأوروبية مؤخراً بشكل أفزع شركات السيارات الأوروبية المحلية التي أدركت عجزها عن منافسة السيارات الصينية في الأسعار والمواصفات، ما دفع الاتحاد الأوروبي لفرض ضرائب جمركية تجاوزت 40% على السيارات الصينية الكهربائية المستوردة في محاولة لحماية الصناعة المحلية.
أمريكا احتاطت مبكراً من الفيضان الصيني، وبدأت بفرض ضرائب وصلت إلى 100% على السيارات الصينية، وانتهى الأمر مع قرار الرئيس السابق جو بايدن بحظر السيارات الصينية بشكل كلي في السوق الأمريكي.
لحسن حظ الشركات الصينية، يوجد سوق واحد ضخم لا توجد فيه أي منافسة حقيقية ويوفر فرص ربح مدهشة.. وهو السوق الروسي.
لأعوام طويلة، احتدمت المنافسة في السوق الروسي بين شركات السيارات اليابانية والأوروبية والأمريكية، وعلى رأسهم فولكس واجن وفورد وتويوتا ورينو وغيرهم، مع تواجد بالغ القوة لسيارات روسية محلية الصنع وأشهرهم سيارات لادا من إنتاج شركة Avtovaz التابعة للحكومة الروسية.
ولكن مع انسحاب جميع المنافسة العالمية من السوق الروسي بعد اندلاع الحرب الأوكرانية في 2022، اغتنمت الشركات الصينية الفرصة، سواء عبر تصدير ملايين السيارات للسوق الروسي خلال الأعوام الثلاثة الماضية، أو عبر شراء المصانع المهجورة للشركات الأوروبية بأسعار زهيدة، كما فعلت شيري مع استحواذها على ثلاثة مصانع تابعة لمرسيدس وفولكس واجن في روسيا مؤخراً.
السيارات الصينية في روسيا مختلفة عن باقي الأسواق

اشتهرت الشركات الصينية بسياراتها الهجينة والكهربائية المبتكرة التي ساهمت في انتشارها السريع في أوروبا وباقي الأسواق العالمية، ولكن الوضع مختلف تماماً في روسيا، إذ تتخصص الشركات الصينية هناك في تقديم سيارات بنزين قديمة بتقنيات محدودة لم يعد العالم يطلبها بعد الآن ولكن يظل لها حضور قوي في السوق الروسي المغلق.
ومع غياب أي رسوم جمركية او قيود على الاستيراد ومع رخص أسعار هذه السيارات، أصبحت العلامات الصينية مثل شيري وجيلي الشركات الأعلى مبيعاً للسيارات في روسيا خلال 2023 و2024، متفوقة على العلامات الروسية المحلية نفسها.
وأشار تقرير من Financial Times إلى أن شيري تتصدر مبيعات السيارات الصينية في روسيا بعدد 528,200 سيارة مسجلة في روسيا حتى الآن، متبوعة بجيلي التي باعت 422,400 سيارة في روسيا، ثم هافال بمبيعات 404,300 سيارة، أكثر من 99% منهم سيارات بنزين.

تدخل متأخر من حكومة بوتين لحل الأزمة واستعادة التوازن
والآن بعد ثلاثة أعوام من الانتشار غير المقيد للسيارات الصينية في السوق، قررت الحكومة الروسية أخيراً التدخل وفرض ضرائب على سيارات حليفتها السياسية الأهم في العالم، ولكن بشكل مختلف.
بينما تقوم باقي الدول بفرض رسوم جمركية على استيراد السيارات الأجنبية، أعلنت روسيا عن “ضرائب الخردة”، وهي رسوم خاصة تفرضها الحكومة على مبيعات السيارات الجديدة مقابل التخلص من هذه السيارات والتعامل معها بعد نهاية عمرها.
هي وسيلة غير مباشرة لفرض ضرائب جمركية على السيارات الصينية المستوردة بدون وصفها بضرائب جمركية بسبب حساسية العلاقة مع الصين.. وتبلغ قيمة هذه الضرائب الروسية الجديدة حوالي 7500 دولار على كل سيارة.
وتنوي الحكومة الروسية رفع هذه الضريبة بـ 10-20% سنوياً كل عام حتى 2030، كما أعلنت إدارة النقل الروسية مؤخراً عن حظر بعض الشاحنات الصينية كلياً من البيع لدواعي السلامة، وهي مبررات قد يتم استخدامها بشكل متكرر قريباً لتحجيم بعض أنواع المركبات الصينية من دخول السوق الروسي.

روسيا ترغب في إرساء قواعد جديدة مع اقتراب نهاية الحرب الأوكرانية
توجد أبعاد هامة أخرى لابد من أخذها في الاعتبار هنا عند النظر لقرار فرض الرسوم الروسية الجديدة على السيارات الصينية، أهمها اقتراب نهاية الحرب في أوكرانيا مع الضغوط الأمريكية والأوروبية الكبيرة مؤخراً للوصول لاتفاقية سلام.
نهاية الحرب في أوكرانيا يعني تباطؤ وتراجع صناعة المعدات العسكرية في روسيا، والتي مثلت أهم مصدر وظيفي للمواطنين في روسيا خلال الأعوام الثلاثة الماضية، ويعني ذلك أن الحكومة الروسية تواجه سيناريو خطير بخسارة مئات الآلاف من العمال لوظائفهم قريباً.
الحل المنطقي والوحيد هنا هو تشجيع الشركات الصينية على نقل خطوط الإنتاج داخل روسيا وتوظيف الروسيين في مصانع وطنية.. باعتبار أن ضرائب الخردة يتم فرضها عادة على السيارات المستوردة فقط ويتم تعويضها بالكامل بتسهيلات مالية أخرى للسيارات المصنوعة داخل روسيا.
اقرأ أيضاً: رئيس فورد يعترف أن الشركات الصينية سبقت العالم بـ 10 أعوام في السيارات والبطاريات الكهربائية



شاهد أيضاً:
اشترك بالقائمة البريدية
احصل على أخبار وأسعار السيارات أول بأول