إنضم لأكثر من 10M+ متابع

المربع نت – في عام 2015، اندلعت أكبر فضيحة في تاريخ صناعة السيارات، بعد اكتشاف السلطات الأمريكية لأجهزة مخصصة لتزييف اختبارات الانبعاثات في محركات الديزل بسيارات فولكس واجن.. والهدف منها التحايل على اختبارات الانبعاثات الكربونية وإصدار أرقام غير حقيقية ولا معبرة عن الانبعاثات الفعلية على أرض الواقع. 

لاحقاً، اعترفت فولكس واجن بوضع أجهزة غش الانبعاثات في أكثر من 11 مليون سيارة حول العالم، ما أدى لأكبر حملة استدعاءات في تاريخ الشركة، وتحملها لغرامات تجاوزت 15 مليار دولار.. ولم يقتصر الأمر على فولكس واجن، إذ اكتشفت السلطات الأوروبية والأمريكية برمجيات غش مماثلة في سيارات مرسيدس، بي ام دبليو، اودي، بورش، وغيرهم. 

وقد مثلت الفضيحة صدمة لصناعة السيارات الألمانية، إذ لم يتوقع أحد أن تشارك شركات السيارات الألمانية في “مؤامرة” بهذا الحجم والتعقيد لتجنب قوانين الانبعاثات والتلوث الصارمة التي بدأت الحكومات بفرضها خلال العقدين الماضيين.

السؤال المقلق الذي بدأ البعض بطرحه: إذا كانت الصناعة الألمانية العريقة معرضة لهذه المستويات من التزييف والتحايل والتلاعب، فماذا عن باقي الصناعات العالمية؟، وبالفعل لم تمض أشهر معدودة قبل ظهور سلسلة اكتشافات صادمة أخرى أصابت واحدة من أهم الدول المصنعة للسيارات في العالم.. اليابان.

بعد تحقيقات مكثفة على مدار أعوام، اكتشفت السلطات اليابانية أخطاء فادحة وعمليات غش واسعة النطاق من عدد كبير من شركات السيارات اليابانية، وتغطي هذه الفضائح اختبارات استهلاك الوقود، والأخطر من ذلك أنها تمسّ اختبارات السلامة نفسها، بتاريخ يصل إلى 30 عاماً في بعض الأحيان من التزييف والتحايل المستمر، وسنوضح في هذا المقال بعض أبرز هذه الاكتشافات والفضائح التي زلزلت صناعة السيارات اليابانية خلال الأعوام الأخيرة. 

“تقارير المربع” سلسلة من الاعترافات الصادمة تزلزل صناعة السيارات اليابانية

البداية ميتسوبيشي .. وكارلوس غصن 

لأكثر من قرن ونصف، مثلت مجموعة ميتسوبيشي للصناعات الثقيلة إحدى الركائز الرئيسية للاقتصاد الياباني.. وساهمت المجموعة بدور محوري في رحلة تحول اليابان من دولة زراعية فقيرة لواحدة من أنجح وأكبر الدول الصناعية المتقدمة حول العالم. 

في عام 2016، فوجئ العالم بإعلان رئيس علامة “ميتسوبيشي موتورز” المتخصصة في السيارات ضمن مجموعة ميتسوبيشي، عن استقالته واعتذاره للمساهمين وممتلكي مركبات ميتسوبيشي.. بعد فضيحة مدوية عن تزييف ميتسوبيشي لأرقام كفاءة استهلاك الوقود في سياراتها. 

التحقيقات اليابانية آنذاك اكتشفت أن ميتسوبيشي بشكل دوري منحت بعض سياراتها، وخاصة الموديلات الصغيرة والشاحنات، أرقام صرفية وقود أفضل من الواقع بغرض تعزيز جاذبيتها وتنافسيتها.. والأسوأ هنا، أن ميتسوبيشي بدأت عمليات التزييف في عام 1991.

هذه ليست أول فضيحة لميتسوبيشي في القرن الحادي والعشرين، إذ واجهت العلامة أزمة عاصفة مماثلة في عام 2004، بعد اكتشاف السلطات اليابانية لعيوب قاتلة في بعض شاحنات وحافلات وسيارات ميتسوبيشي تهدد سلامة هذه المركبات والمشاة، ولكن ميتسوبيشي بشكل متعمد رفضت إصدار استدعاءات لاستبدال القطع المعيوبة، بغرض خفض النفقات.

واعترفت ميتسوبيشي في 2004 بتآمرها على إخفاء عيوب أكثر من 800,000 مركبة منذ عقد الثمانينات، ودفعت غرامة طائلة آنذاك، ولكن من الواضح أن إدارة الشركة استمرت بنفس النمط بدرجة أو بأخرى لأعوام طويلة حتى اندلاع الفضيحة الجديدة في 2016. 

بعد اكتشاف تلاعب ميتسوبيشي بأرقام صرفية الوقود في عام 2016، انهارت أسهم الشركة بشكل غير مسبوق في البورصة اليابانية، ما سمح لواحد من أهم وأجرأ المدراء التنفيذيين في عالم السيارات بالتدخل وانتهاز الفرصة النادرة.. ونتحدث عن اللبناني الشهير كارلوس غصن، المدير التنفيذي لنيسان ورينو آنذاك.

بينما ابتعدت معظم شركات السيارات الأخرى عن ميتسوبيشي وقت الفضيحة لتفادي أي سمعة سلبية؛ رأى كارلوس غصن في الأزمة فرصة ذهبية لامتلاك حصة مسيطرة على ميتسوبيشي بسعر رخيص، وضمها لتحالفه العالمي، وهو ما قام به بالفعل، وبشكل بالغ السرعة. 

كارلوس غصن لم يهنأ طويلاً بفترة إدارته لميتسوبيشي إذ تم القبض عليه لاحقاً في 2018 بتهم التهرب الضريبي وسوء التصرف المالي، ولكن أثناء فترة إدارته القصيرة، أشرف غصن على عملية تحول عميقة لإدارة ميتسوبيشي، ووضع قسم اختبارات المركبات بشكل خاص تحت إشراف مباشر من خبراء نيسان بغرض تفادي  أخطاء الماضي.

تسونامي الفضائح المدويّة يبتلع علامات دايهاتسو وهينو اليابانية

هينو هي واحدة من أهم صانعات الشاحنات والمركبات التجارية في اليابان بمبيعات سنوية تتجاوز 160,000 وحدة، وتمتلك تويوتا حصة 51% منها، وإن ظلت هينو علامة مستقلة في البورصة اليابانية. 

في عام 2022، اعترفت هينو بتزييف أرقام الانبعاثات الكربونية الصادرة من موديلاتها، ما أدى لخلاف حاد آنذاك بين إدارة تويوتا وإدارة هينو، وانتقادات علنية صريحة من المدير التنفيذي لتويوتا، اكيو تويودا، لأفعال هينو التي أثرت سلباً على صورة الشركة الأم.

ولكن هذه كانت مجرد البداية، إذ فوجئت تويوتا في عام 2023 بأزمة أسوأ بكثير، مع علامة دايهاتسو التابعة لها كذلك، بعد اعترافها بتزييف اختبارات السلامة اليابانية لـ 64 موديل على الأقل على مدار ثلاثة عقود.

دايهاتسو هي واحدة من أعرق شركات السيارات اليابانية بتاريخ ممتد لعام 1907 ومبيعات سنوية تتجاوز 1.1 مليون سيارة.. والأزمة هنا، أن الموديلات التي تم تزييف اختبارات السلامة لها لم تقتصر على سيارات دايهاتسو نفسها فحسب، ولكن أثرت كذلك على موديلات تصنعها دايهاتسو لعلامات يابانية أخرى، مثل مازدا وسوبارو وغيرهما. 

وفي نهاية 2023، أعلنت دايهاتسو عن تعليق إنتاج جميع موديلاتها لأول مرة في تاريخها وإغلاق مصانعها بشكل مؤقت لحين خضوعها لعملية مراجعة شاملة لضمان عدم تكرار هذه الأخطاء الفادحة مرة أخرى. 

دراما صناعة السيارات اليابانية تصل لذروتها بعد سلسلة من الاعترافات في 2024 

على مدار 2024، وتحت ضغوط مستمرة من الحكومة، بدأت شركات السيارات اليابانية بالاعتراف بأخطاء وعمليات تزييف واسعة النطاق لاختبارات السلامة لأعوام طويلة، وعلى رأسهم شركات رائدة مثل هوندا، مازدا، سوزوكي، وشركة ياماها المصنعة للدراجات النارية وغيرهم. 

واكتشفت الحكومة اليابانية أن التلاعب بنتائج اختبارات السلامة تم في أكثر من 40 موديل ياباني محلي، معظمهم موديلات متوقفة، ومن أبرز السلوكيات غير القانونية التي تم رصدها: التلاعب ببرمجيات أنظمة التحكم في المحرك، تقديم بيانات مزيفة للسلطات، إجراء اختبارات السلامة في ظروف غير مواتية، وتعديل سيارات الاختبارات للحصول على نتائج قوية بشكل لا يعبر عن الواقع. 

وكشفت مازدا في يونيو 2024 أن اختبارات المحركات لم تكن دقيقة لعدة موديلات، أبرزهم مازدا رودستر ومازدا 2، وتوقفت الشركة مؤقتاً عن بيع هذه الموديلات في اليابان لإعادة اختبارهم مرة أخرى.

كما اعترفت مازدا بتزييف اختبارات التصادم لثلاثة موديلات متوقفة في السوق الياباني، وهي مازدا 6، ومازدا اكسيلا، ومازدا أتينزا، واعتذر المدير التنفيذي لمازدا، ماساهيرو مورو، عن هذه الأخطاء وأعلن عن إجراءات حاسمة جديدة تغطي جميع فروع الشركة لضمان عدم تكرارها. 

هوندا من طرفها أجرت تحقيقات داخلية مستقلة، واكتشفت عمليات تزييف مستمرة لأعوام طويلة لاختبارات الضوضاء في 22 موديل متوقف، تشمل هوندا فيت وانسباير وليجيند واكورد القديمة وسي ار في القديمة واوديسي وNSX وغيرهم. 

بالانتقال لسوزوكي، اعترفت الشركة بتزييف الاختبارات لموديل واحد فقط، وهو سوزوكي ألتو الجيل السابق، وتحديداً اختبار مسافة توقف السيارة عند استخدام المكابح، إذ اكتشفت الشركة أن المسافة المسجلة في الاختبارات المزيفة أقصر بشكل ملحوظ من المسافة الحقيقية، ما يعني أن المكابح أقل فعالية في الواقع. 

كما اعترفت تويوتا بأخطاء في بعض نتائج اختبارات السلامة وتحديداً اختبارات حماية المشاة والركاب في بعض موديلاتها المحلية المخصصة للسوق الياباني، وبدأت على الفور بإجراء مراجعة شاملة لاختبارات السلامة التي تقوم بها الشركة لضمان عدم تكرار الأخطاء، مع العلم أن المشكلة لم تؤثر على موديلات تويوتا العالمية. 

شركة ياماها الشهيرة بدراجاتها النارية المحبوبة في اليابان وأسواق أخرى اعترفت كذلك بالتلاعب بنتائج بعض الاختبارات وخاصة اختبار الضوضاء لبعض أهم موديلاتها، واضطرت لإيقاف إنتاجهم مؤقتاً لحين إكمال التحقيقات.

مراجعة ذاتية وإعادة التفكير 

اكتشاف كل هذه الأخطاء وعمليات التزييف المتعمدة والإهمال، هو أمر غير مسبوق في اليابان، ويمثل إهانة عميقة لصورة الصناعة اليابانية الشهيرة بجودتها واعتماديتها.. ونتيجة ذلك، أمرت الحكومة اليابانية بإجراء مراجعة دقيقة لعمليات أكثر من 90 شركة محلية مصنعة للمركبات، مع التركيز بشكل خاص على اختبارات السلامة واستهلاك الوقود لموديلات هذه الشركات بغرض تتبع أي أخطاء أخرى محتملة. 

حالياً المراجعة مستمرة لحوالي 17 شركة وقد نرى نتائج مفاجآت أخرى على مدار الأشهر القادمة، وسنحدث هذا التقرير بشكل دوري في حالة توافر معلومات جديدة. 

اقرأ أيضاً: “تقارير المربع” صناعة السيارات الألمانية تواجه تحدي غير مسبوق من السيارات الصينية، هل يتفوق التلميذ على الأستاذ؟

المصدر: Nikkei Asia , Japan Times

Image of ask section link

اشترك بالقائمة البريدية

احصل على أخبار وأسعار السيارات أول بأول