إنضم لأكثر من 10M+ متابع

المربع نت – في عام 2023، حققت شركة بي واي دي BYD الصينية إنجازاً كان يبدو مستحيلاً منذ عدة أعوام، بعد تفوقها على فولكس واجن لتكون شركة السيارات الأعلى مبيعاً في الصين، بعد ربع قرن من الهيمنة الألمانية الكاملة على سوق السيارات الصيني، وتصدر مجموعة فولكس واجن للمبيعات الصينية لـ 15 عاماً متوالياً.

لعقود طويلة، احتلت شركات السيارات الألمانية مكانة أيقونية خاصة في السوق الصيني، ولاسيّما الشركات الفاخرة، مثل اودي وبورش ومرسيدس وبي ام دبليو.. هذه كانت سيارات الأحلام لمعظم الشباب الصيني الصاعد، وهذه هي السيارات التي حاولت عشرات الشركات الصينية الصغيرة تقليدها على مدار الأعوام لمنح المستهلك الصيني فرصة للتباهي بقيادة سيارة مشابهة لسيارة الحلم الألمانية.

هذه الفترة، بين عام 1995 وعام 2020 تقريباً، مثلت العصر الذهبي لصناعة السيارات الألمانية.. والتي اشتهرت منذ منتصف القرن الماضي بحرفيتها وجودتها وإحكام صنعتها وسبقها التكنولوجي للمنافسين.. وقد وجدت الصناعة الألمانية شهية مفتوحة ومدهشة في السوق الصيني تجاه سياراتها، لدرجة أنه بحلول 2020، مثلت المبيعات الصينية أكثر من 50% من مبيعات مجموعة فولكس واجن، وأكثر من ثلث مبيعات مرسيدس.

كل هذه المعطيات ستوضح لنا حجم الصدمة التي واجهتها الصناعة الألمانية خلال الأعوام القليلة الماضية، مع انقلاب حظوظها بشكل غير مسبوق، ومنافسة الشركات الصينية لها بشكل بالغ الشراسة ليس فقط في السوق الصيني المحلي، بل في عقر دارها، في العاصمة برلين وباقي المدن الألمانية.

“تقارير المربع” صناعة السيارات الألمانية تواجه تحدي غير مسبوق من السيارات الصينية، هل يتفوق التلميذ على الأستاذ؟

هل فقدت الصناعة الألمانية القدرة على المنافسة؟

منذ أيام معدودة، أعلنت فولكس واجن عن خطط محتملة لإغلاق مصنعين للسيارات ومكوناتها داخل ألمانيا، لأول مرة في تاريخ الشركة.. واشتكي المدير التنفيذي، أوليفر بلوم، من “تدهور قدرة الصناعة الألمانية على المنافسة”، وعجزها عن صد الفيضان الصيني الذي بدأ باكتساح سوق السيارات العالمي، وخاصة السوق الكهربائي داخل الصين والاتحاد الأوروبي.

والأسوأ من ذلك، أن بيانات الحكومة الألمانية كشفت عن انهيار غير مسبوق لمبيعات السيارات داخل السوق الألماني، بحوالي 28% خلال أغسطس 2024، مع تأثر السيارات الكهربائية بشكل خاص وتدهور مبيعاتها بـ 69% خلال نفس الفترة، وأبرز الضحايا لهذه الأزمة هي شركات السيارات الألمانية المحلية والتي تستمر في خسارة جزء كبير من الحصة السوقية للمنافسين الصينيين كل شهر تقريباً.

ما الذي حدث لصناعة السيارات الألمانية؟ وهل فقدت فعلاً قدرتها على المنافسة وجذب الأضواء كما صرح رئيس فولكس واجن؟ أم أنها أزمة عابرة ستعود بعدها الصناعة الألمانية بشكل أقوى وأكثر فخامة وإبداعاً كما اعتدنا على مدار العقود الماضية؟ .. سنحاول الإجابة على هذه الأسئلة في هذا المقال.

صناعة السيارات الألمانية غير مستعدة لأزمات الطاقة والتحول للكهرباء

منذ عامين ونصف تقريباً، اندلعت الحرب الروسية-الأوكرانية في شرق أوروبا، وأدت سريعاً لانهيار العلاقات الدبلوماسية والتجارية بين روسيا والاتحاد الأوروبي.

ألمانيا تضررت بشكل هائل من هذه الأزمة، بعد إيقاف واردات الغاز الروسي الرخيص والذي مثّل حجر الأساس للاقتصاد الألماني المعتمد بشكل رئيسي على الصناعات المكثفة عالية الاستهلاك للطاقة، مثل صناعة السيارات.

في نفس هذا التوقيت، بدأ الاتحاد الأوروبي بتضييق الخناق على شركات السيارات الأوروبية بغرض إجبارهم على الاستثمار في المحركات والسيارات الكهربائية وخفض الانبعاثات الكربونية في سيارات البنزين والديزل التقليدية.

هذه أزمة حقيقية لصناعة السيارات الألمانية بشكل خاص، والتي اشتهرت لعقود طويلة بسيارات الاحتراق الداخلي الأيقونية في جميع الفئات، بداية من سيارات الـ SUV الفاخرة العضلية مثل مرسيدس جي كلاس، ومروراً سيارات الهاتشباك العملية مثل فولكس واجن جولف، أو سيارات الكوبيه الرياضية الرشيقة مثل بورش 911.

محركات الاحتراق الداخلي الألمانية شهيرة بجودتها وقوتها وأدائها الاعتمادي، ولم يقتصر تواجدها على السيارات الألمانية فقط بل تم مشاركتها بشكل دوري مع شركات أوروبية وصينية أخرى، ومن أبرز الأمثلة مشاركة محركات V12 وV8 لمرسيدس AMG مع موديلات باجاني واستون مارتن، بنتائج ممتازة.

"تقارير المربع" صناعة السيارات الألمانية تواجه تحدي غير مسبوق من السيارات الصينية، هل يتفوق التلميذ على الأستاذ؟ 2
باجاني يوتوبيا الجديدة المزودة بمحرك V12 من AMG

ولكن هذه المحركات نفسها أصبحت محل شك واعتراض قانوني مستمر في الاتحاد الأوروبي والصين وأمريكا الشمالية، لكونها محركات كبيرة تتراوح أحجامها عادة بين 6 و 12 سلندر، بانبعاثات كربونية مرتفعة ومناقضة للأجندة الخضراء الحالية.

هل تفقد السيارات الألمانية الرياضية هويتها بسبب الضغوط البيئية؟

من القرارات الأكثر إثارة للجدل لمرسيدس خلال الأعوام الأخيرة هو إلغاء محركات 8 سلندر المحبوبة في سيارات AMG، وخاصة سي كلاس C63 الجديدة، واستبدالها بمحرك 4 سلندر هايبرد أصغر حجماً وأقل طرباً وتشويقاً.

وحاولت مرسيدس إقناع عملائها بأهمية هذا التغيير وفائدته.. هذا هو أقوى محرك 4 سلندر في التاريخ، مع قدرة على توليد 671 حصان بحد أقصى بفضل المحرك الكهربائي المساند واستخدام شاحن تيربو كهربائي مبتكر، وهي أرقام تتفوق بسهولة على محرك 8 سلندر السابق الذي لم تتجاوز قوته القصوى 503 حصان.

ولكن معظم المستهلكين لم يقتنعوا بهذا التغير.. ويرى الكثيرون أن سيارات AMG الجديدة فقدت عنصراً رئيسياً من هويتها ومتعتها بعد خسارة محركات V8، ما أدى لانهيار غير مسبوق لمبيعات سيارات AMG المزودة بمحركات 4 سلندر الجديدة.

"تقارير المربع" صناعة السيارات الألمانية تواجه تحدي غير مسبوق من السيارات الصينية، هل يتفوق التلميذ على الأستاذ؟ 3
مرسيدس AMG سي كلاس C63

مرسيدس وضحت أنه ما باليد حيلة هنا.. الضغوط البيئية من الحكومة الألمانية وحكومة الاتحاد الأوروبي أجبرت العلامة فعلياً على التخلي عن أحد أهم عناصر قوتها في الساحة العالمية، وتقديم منتج أسوأ وأقل إرضاءً للعملاء.. وهذا نمط سيتكرر كثيراً مع شركات السيارات الألمانية.

بي ام دبليو هي الأخرى فاجأت العالم منذ أشهر بتقديم الجيل الجديد من M5 بمحرك هايبرد معقد ثقيل جداً للالتزام بقوانين الانبعاثات، ما أدى لزيادة وزن السيارة لحوالي 2440 كيلوجرام، وهو وزن أثقل من سيارات SUV أضخم بكثير من M5، مثل بنتلي بنتايجا ودودج دورانجو.. هذه أرقام غير مسبوقة في عالم السيارات الرياضية الألمانية، ولكن على الأقل استمرت M5 الجديدة بمحرك V8، وهي نقطة هامة في صالحها بدون شك.

معجزة الصناعة الألمانية غير قادرة على مواكبة العصر الكهربائي

الاكتشاف المقلق الذي بدأ بعض خبراء السيارات الألمانيين باستيعابه خلال الأعوام الأخيرة، أن الصناعة الألمانية التي تم وصفها بـ “المعجزة” على مدار القرن العشرين، عاجزة الآن عن المنافسة في العصر الكهربائي\البيئي الجديد الذي فرضته قوانين صارمة، يعتبرها البعض جائرة، ويعتبرها آخرون ضرورية لحماية هواء المدن من التلوث والمناخ من ارتفاع درجات الحرارة.

فولكس واجن، والتي تصدرت مبيعات السيارات في عدد من أهم الأسواق العالمية مثل الصين وأوروبا لعقود متوالية، استثمرت مليارات الدولارات لتطوير منصات ومحركات وتقنيات كهربائية تحت علامة ID الكهربائية الجديدة… فولكس واجن فعلياً راهنت بكل شيء على نجاح المستقبل الكهربائي لعالم السيارات.

ولكن التباطؤ الحاد في مبيعات السيارات الكهربائية داخل وخارج أوروبا مؤخراً، وغلاء أسعار السيارات الكهربائية مقارنة بسيارات البنزين والديزل المنافسة في نفس الفئة، واحتدام المنافسة من الصين، هي ضمن عوامل أخرى متعددة أدت لمبيعات محبطة لسيارات فولكس واجن ID الكهربائية الجديدة.

الوضع سيئ لدرجة أن فولكس واجن أعلنت خطط عاجلة لتوفير 10 مليار يورو على الأقل لتعويض الاستثمارات الهائلة (أو الخسائر إذا صح القول) التي تم تخصيصها لتطوير السيارات الكهربائية بدون عائد حقيقي حتى الآن.. ووصل الأمر إلى التخطيط لإغلاق عدد من أهم المصانع الأوروبية للشركة، بما يشمل مصنع بلجيكي لعلامة اودي، وعدة مصانع داخل ألمانيا نفسها، وهي خطوة غير مسبوقة.

مرسيدس في عام 2020 أعربت عن حماستها الغامرة للانطلاق في عالم السيارات الكهربائية وتطوير موديلات فاخرة منافسة مثل EQS وEQB و EQE الجديدة، وأعلنت آنذاك عن خطط للتحول لعلامة كهربائية بالكامل في أوروبا بحلول 2030.

الآن، مرسيدس أعلنت عن خطط لإيقاف موديل EQS كلياً بعد نهاية الجيل الحالي بسبب فشل مبيعات السيارة الكهربائية بشكل محرج في معظم الأسواق، ما أجبر الشركة على التراجع عن خطط التحول لعلامة كهربائية في نهاية العقد الجاري.

"تقارير المربع" صناعة السيارات الألمانية تواجه تحدي غير مسبوق من السيارات الصينية، هل يتفوق التلميذ على الأستاذ؟ 4
مرسيدس EQS الكهربائية

حتى بورش لم تسلم من العاصفة، مع انهيار حاد لمبيعات بورش تايكان الكهربائية بـ 50% خلال النصف الأول من 2024.

خسائر.. مبيعات منهارة.. استثمارات مهدرة، العجز عن تقديم موديلات معقولة السعر أو قادرة على جذب المستهلك بأداء مقنع.. والآن تواجه الشركات الألمانية تهديداً غير مسبوق من الشركات الصينية العازمة على اكتساح العالم بأسعار ومواصفات لا تقدر الشركات الأوروبية على منافستها.

صناعة السيارات الألمانية تواجه “خطراً وجودياً” من المنافسة الصينية

ربما أكثر إحصائية صادمة تابعناها في الصراع الحالي بين شركات السيارات الألمانية والصينية نراها من مجلة Spiegel الألمانية الشهيرة.. والتي كتبت تقريراً مطولاً بالعنوان المخيف: “صناعة السيارات الألمانية تواجه أزمة تهدد وجودها”، وداخل المقال نقرأ إحصائية توضح رأي المستهلك الألماني في السيارات الصينية.

الإحصائية سألت المستهلكين: هل أنت مهتم بشراء سيارة صينية قريباً عوضاً عن سيارة ألمانية أو أوروبية؟ .. والإجابة الصاعقة: 50% من المستهلكين يفضلون شراء سيارات صينية على السيارات الألمانية خلال الأعوام القادمة.

لا نتحدث هنا عن المستهلكين في الصين أو أمريكا أو الخليج العربي.. نتحدث عن المستهلكين داخل ألمانيا نفسها، وهذه إجاباتهم، والتي توضح حالة غير مسبوقة من فقدان الثقة في المنتجات التي تصنعها شركاتهم المحلية، أو ربما عجز عن شراء هذه المنتجات بسبب سعرها الباهظ.

الشركات الصينية، وعلى رأسهم بي واي دي وام جي، بدأت مؤخراً بافتتاح فروع جديدة داخل برلين وعواصم أوروبية أخرى.. ويتوقع بنك UBS السويسري ارتفاع حصة السيارات الصينية في السوق الأوروبي من 3% إلى 20% بحلول 2030، ما سيمثل أكبر خسارة للحصة السوقية في تاريخ صناعة السيارات الأوروبية.

وبينما فشلت شركات السيارات الألمانية والأوروبية حتى الآن في تقديم سيارة كهربائية بأسعار أقل من 25,000 دولار كما وعدوا منذ أعوام.. نرى اتجاهات مختلفة تماماً من الصين، مع طرح بي واي دي لسيارة “سيجل” الكهربائية في الصين بسعر لا يتجاوز 10 ألف دولار (37,500 ريال)، مع خطط لطرحها قريباً في ألمانيا.

الشركات الألمانية محاصرة بين ضغوط حكومية ومنافسة غير عادلة

كل هذه هي أزمة مفتعلة في رأي البعض.. لم لا تقوم الشركات الألمانية بالانسحاب من السباق الكهربائي العبثي الذي تسبب في خسائر طائلة لهم حتى الآن، وليعودوا لبناء سيارات البنزين والديزل الأيقونية بمحركات كبيرة هادرة ومستويات فخامة وتقنية لا مثيل لها، كما اعتدنا دائماً منهم.

للأسف لا مجال للعودة بعد الآن.. وشركات السيارات الألمانية معرضة لعقوبات وغرامات قد تصل لمليارات الدولارات من السلطات الأوروبية في حالة تأخرهم عن السباق الكهربائي وفشلهم في الالتزام بمستويات الانبعاثات المطلوبة من أساطيلهم كل عام.

وبينما تواجه الشركات الألمانية هذه الضغوط والتهديدات من السلطات الأوروبية، نرى قصة مختلفة تماماً في الصين، مع استثمارات هائلة من الحكومة الصينية نفسها في معظم شركات السيارات الصينية الرئيسية مثل بي واي دي وسايك وغيرهما، وحوافز مادية غير محدودة لبناء البطاريات والمنصات والمحركات الكهربائية بأسعار رخيصة تضمن اكتساح المنافسين حول العالم.

الشركات الألمانية مضطرة بشكل فعلي للتخلي عن جزء من روحها وتركيبتها التاريخية الفريدة في عالم السيارات تحت هذه الضغوط.. ولكنها ليست النهاية، والعملاق الألماني قد يذهل العالم مرة أخرى، بمنتجات غير تقليدية تجمع بين تقنيات المستقبل المتمثلة في الكهرباء، ومتعة الأداء الكلاسيكي والراحة والفخامة التي اعتدنا عليها من السيارات الألمانية.. ولكن الطريق لهذا الهدف لن يكون ممهداً بأي شكل، وإقناع المستهلكين بهذه المنتجات المكلفة الجديدة لن يكون سهلاً على الإطلاق.

اقرأ أيضاً: “تقارير المربع” كيف راح يكون مصير تكنولوجيا القيادة الذاتية بعد انسحاب آبل وجنرال موتورز؟

المصدر: Spiegel ، The Guardian

شاهد أيضاً:

Image of ask section link

اشترك بالقائمة البريدية

احصل على أخبار وأسعار السيارات أول بأول