إنضم لأكثر من 10M+ متابع

المربع نت – تكنولوجيا القيادة الذاتية توفر حلماً صعب المنال.. وهو تحقيق عالم خالي تماماً من الحوادث والإصابات والوفيات على الطرق، عالم تكون فيه جميع المركبات متصلة بشبكة إلكترونية واحدة عملاقة تدير كل خطوة، كل إشارة، وكل منعطف بإتقان.. لا يوجد مجال للأخطاء البشرية أو التردد أو السهو.

ولكن هذه الأحلام السامية والتوقعات المتفائلة انهارت سريعاً على مدار الأشهر الأخيرة بعد سلسلة من الضربات التي أصابت قطاع القيادة الذاتية، وربما أبرزها إعلان جنرال موتورز عن إيقاف جميع اختبارات السيارات الذاتية في أمريكا بعد حادث مروع لسيارة أجرة ذاتية اصطدمت بامرأة وجرّتها لـ 7 أمتار قبل توقفها في ولاية كاليفورنيا.

هذه ليست حادثة منفصلة، بل جزء من أزمة كبيرة تواجه قطاع السيارات الذاتية.. وهي أزمة ثقة عميقة من ناحية المستهلكين والمشرّعين، وأزمة تقنية تتمثل في صعوبة تطوير تكنولوجيا قيادة ذاتية حقيقية بالكامل.. لدرجة آن آبل نفسها استسلمت بعد 10 أعوام تقريباً من المحاولات الدؤوبة ومليارات الدولارات التي تم إهدارها في مشروع السيارة الذاتية الشهير “تايتان” .

عالم السيارات الآن في مفترق طرق فيما يتعلق بالسيارات الذاتية.. وفي هذا المقال، سنقوم باستعراض مفهوم القيادة الذاتية، ومخاطرها وفوائدها، والتحديات التي تواجه شركات السيارات لتطوير وتقديم هذه التقنيات المعقدة.

“تقارير المربع” كيف راح يكون مصير تكنولوجيا القيادة الذاتية بعد انسحاب آبل وجنرال موتورز؟

ثورة في عالم التنقل

في عام 2013، صرح رئيس تيسلا، إيلون ماسك: “الطائرات لديها أنظمة Autopilot للتوجيه الذاتي.. لماذا لا نطبق نفس الأمر في السيارات؟”.

هذه كانت أول تصريحات من تيسلا عن تطوير تقنية ثورية جديدة ستسمح لسيارات تيسلا بقيادة نفسها بدون تدخل مباشر من السائق في بعض الحالات.. وفي عام 2014، بدأت تيسلا رسمياً بتقديم تقنية Autopilot للتوجيه النصف الذاتي في سياراتها.

هذه كانت بداية سباق محموم في صناعة السيارات لتطوير أنظمة توجيه ذاتي مختلفة لتحسين مستويات السلامة والأمان في السيارات الحديثة.. وقد رأينا ثمار هذه الاستثمارات في أنظمة سلامة حديثة مثل كبح الطوارئ الأوتوماتيكي ومثبت السرعة الذكي “كروز كونترول” وغيرهما.

آبل نفسها انبهرت بالفكرة، وبدأت وقتها بتأسيس مشروع سري باسم “تايتان”، بغرض واحد وهو تطوير سيارة كهربائية ذاتية القيادة بالكامل، وتعاقدت آبل مع المئات من المهندسين المحترفين التابعين لتيسلا نفسها وعدد من شركات السيارات التقليدية الأخرى مثل فورد وجنرال موتورز لتطوير هذا المشروع الطموح.

وقد توقع ايلون ماسك في عام 2019 تطوير أنظمة قيادة ذاتية بالكامل قادرة على التعامل مع جميع أنواع الطرق بدون أي تدخل بشري “خلال عام أو اثنين على الأكثر”، وخلال هذه الفترة، تم تأسيس العديد من العلامات التجارية الصاعدة المتخصصة في تطوير التقنيات والسيارات الذاتية.. علامات مثل Aurora و TuSimple و Embard، بقيمة سوقية مدهشة تجاوزت 50 مليار دولار.

كما استحوذت شركة جنرال موتورز على علامة جديدة آنذاك باسم “كروز”، مخصصة لتطوير وتجربة سيارات الأجرة الذاتية في المدن الأمريكية، وأسست جوجل علامة مماثلة باسم وايمو Waymo لنفس الغرض، مع بدء التجارب العملية على أرض الواقع في سان فرانسيسكو وعدة مدن أمريكية أخرى خلال الأعوام الماضية.

“تقارير المربع” كيف راح يكون مصير تكنولوجيا القيادة الذاتية بعد انسحاب آبل وجنرال موتورز؟ 1
سيارة كروز ذاتية القيادة أثناء اختبارها في كاليفورنيا

كعادة معظم التقنيات الجديدة في التاريخ الحديث.. نرى فترة من الحماس والتفاؤل الجارف في البدايات، ما يطلق عليها فترة الفقاعة والهايب Hype والإيمان الجازم بقدرة البشر على تغيير العالم وقلبه رأساً على عقب خلال أعوام معدودة.. وقد تابعنا تصريحات لبعض المسؤولين في قطاع السيارات آنذاك عن أن تكنولوجيا القيادة الذاتية ستؤدي لأهم ثورة في عالم التنقل منذ اختراع محرك الاحتراق الداخلي.

انفجار الفقاعة

كعادة معظم الفقاعات التقنية خلال العقود الماضية .. الانفجار حدث سريعاً، وبشكل بالغ العنف.

في نهاية 2023 وبداية 2024 تابعنا سلسلة من الأخبار الصادمة لقطاع السيارات والتقنيات الذاتية، بدأت بسلسلة من الحوادث والسلوكيات المريبة لسيارات “كروز” ذاتية القيادة التابعة لجنرال موتورز.

هذه الأخطاء كانت بسيطة نسبياً في البداية، مثل الاصطدام بطرف سيارة متوقفة، أو التوقف في منتصف الطريق وتعطيل حركة المرور لساعات متواصلة.. ولكن الضربة القاضية حدثت في أكتوبر 2023، بعد اصطدام سيارة أجرة ذاتية بامرأة تعبر الطريق في مدينة سان فرانسيسكو، ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل استمرت السيارة بجرّ المرأة لسبعة أمتار كاملة قبل التوقف، ما تسبب في جروح خطيرة.

بعد الحادث مباشرة أعلنت مدينة سان فرانسيسكو عن إيقاف رخصة علامة كروز لتجربة سيارات الأجرة الذاتية واتهمت علامة كروزر بتقديم معلومات غير دقيقة عن درجة تقدم وتطور التكنولوجيا الذاتية في سياراتها، وأعلنت جنرال موتورز عن سحب جميع سيارات كروز من الطرق الأمريكية، حوالي 950 سيارة بالمجمل، مع تسريح 24% من القوة العاملة وإجراء مراجعة شاملة لعمليات العلامة.

وقد تسبب الأمر في تدمير ثقة المستهلكين والمشرّعين الأمريكيين في تكنولوجيا القيادة الذاتية وجديتها وسلامتها، على الأقل لأعوام طويلة قادمة.

كما أن ثقة المستثمرين في العلامات الصاعدة في قطاع القيادة الذاتية تدهورت كذلك، مع انهيار حاد في قيمة علامات Aurora و TuSimple و Embard بحوالي 40 مليار دولار في البورصة الأمريكية مع تخلي معظم المؤسسات الاستثمارية عن هذه الأسهم وعن القطاع بالكامل.

تحديث في سبتمبر 2024: جنرال موتورز عادت مجدداً لاختبار سيارات كروز ولكن بقيادة سائق بشري بغرض جمع البيانات، وبدون تفعيل أنظمة القيادة الذاتية.

آبل تنسحب من المنافسة!

خبراء القيادة الذاتية يقسمون مراحل تكنولوجيا القيادة الذاتية لخمسة مستويات رئيسية.. تبدأ من المستوى الأول، والذي يشير إلى القدرة على التدخل في حالات محدودة جداً لإيقاف السيارة في حالات الطوارئ ومنعها من التصادم بسيارة أخرى وقراءة إشارات المرور وما إلى ذلك، ثم المستوى الثاني، وهو المستوى الذي توفره تيسلا في سياراتها حالياً، ويسمح للسيارة بقيادة نفسها على الطرق السريعة ولكن مع ضرورة انتباه السائق باستمرار للطريق للتدخل عند الحاجة.

المستوى الأعلى للقيادة الذاتية هو المستوى الخامس.. وهو المستوى الذي تقدر فيه السيارة على قيادة نفسها بنفس مستوى البشر وربما أفضل، بدون الحاجة لأي تدخل بشري أو متابعة من أي نوع.. هذا هو الهدف النهائي لهذه التقنيات.

لو كانت هناك شركة واحدة راهن البعض على قدرتها على تطوير تكنولوجيا قيادة ذاتية من المستوى الخامس النهائي فهي آبل.. والتي أسست مشروعاً شهيراً رغم سريته باسم “تايتان” في عام 2014، كل هدفه هو تطوير مركبة ذاتية القيادة بدون تدخل بشري، مع ضخ استثمارات غير محدودة في هذه المشروع.

“تقارير المربع” كيف راح يكون مصير تكنولوجيا القيادة الذاتية بعد انسحاب آبل وجنرال موتورز؟ 3
تصميم تخيلي لسيارة آبل الذاتية

آنذاك واجهت آبل سيناريوهين للتعامل مع هذا المشروع.. السيناريو الأول، هو تطوير سيارة كهربائية بتكنولوجيا قيادة ذاتية منافسة لسيارات تيسلا.. ونتحدث عن قيادة ذاتية من المستوى الثاني أو الثالث على الأكثر، ثم العمل على تحديث وتطوير هذه التقنيات لاحقاً على مدار الأعوام.

والسيناريو الثاني هو صعق العالم وتحقيق قفزة تقنية هائلة، مع طرح سيارة كهربائية بقيادة ذاتية من المستوى الخامس مباشرة.

وكما هو متوقع من عقلية آبل آنذاك، قررت الذهاب مع السيناريو الثاني، لدرجة أن تصاميم السيارة منذ البداية لم تحتوي على أي مقود أو دواسات .

المشكلة هنا كما وصفها بعض الخبراء، أن محاولة آبل لطرح سيارة ذاتية من المستوى الخامس مباشرة أشبه بمحاولة آبل لتطوير وطرح هاتف آيفون 10 قبل تطوير الأجيال التي مهدت له على مدار الأعوام.. هي فكرة شبه مستحيلة، وتكنولوجيا الذكاء الصناعي الداعمة لهذه التقنيات لم تتطور بشكل كافٍ للسماح بهذه القفزة التكنولوجية.

بعد 10 أعوام من الاختبارات المكثفة ومليارات الدولارات من الاستثمارات المهدرة وفريق من مئات المحترفين المتخصصين في المجال.. تأكدت آبل أن المشروع ببساطة غير عملي ولا ممكن للوقت الحالي من الناحية التقنية، وهذا قبل التحدث عن الجوانب المعقدة الأخرى في هذا المشروع مثل القدرة التصنيعية اللازمة لبناء سيارة كهذه، والتكلفة الإنتاجية المرتفعة جداً لصناعة السيارات مقارنة بالأرباح المتوقعة.

وفي شهر فبراير 2024، قررت آبل رسمياً إغلاق مشروع تايتان وتسريح معظم العاملين فيه.

تيسلا تواجه ضربات قاسية

تيسلا هي الشركة التي أشعلت شرارة “الثورة التكنولوجية” في عالم السيارات.. سواء الثورة الكهربائية أو ثورة القيادة الذاتية، ولكنها أيضاً الشركة التي جسدت العقبات التقنية المعقدة جداً والتي تواجه مشاريع القيادة الذاتية.

أولاً، رغم وعود ايلون ماسك لأعوام طويلة عن الاقتراب الوشيك لطرح تكنولوجيا قيادة ذاتية من المستوى الخامس النهائي، إلا أنه حتى الآن، في عام 2024، عجزت تيسلا عن تقديم تقنية أعلى من المستوى الثاني في الأسواق، وهي نتيجة محرجة جداً للعلامة ولايلون ماسك.

والأسوأ من ذلك، أن تقنية Autopilot لتيسلا واجهت انتقادات حادة على مدار الأعوام، مع تحقيقات رسمية لا حصر لها بالولايات المتحدة في عدد الحوادث التي تسببت فيها تقنية أوتوبايلوت في سيارات تيسلا.

“تقارير المربع” كيف راح يكون مصير تكنولوجيا القيادة الذاتية بعد انسحاب آبل وجنرال موتورز؟ 4
تيسلا موديل S

من الإحصائيات الهامة هنا أن سيارات تيسلا المزودة بتقنية Autopilot تعرضت لأكثر من 736 حادث منذ عام 2019، منهم 17 حادث مميت.. وربما الأهم من ذلك، هي دراسة استقصائية رسمية أجرتها إدارة سلامة الطرق السريعة الأمريكية، واكتشفت من خلالها أن السيارات المزودة بتقنيات التوجيه الذاتي أكثر تعرضاً للحوادث بالضعف مقارنة بالسيارات التقليدية بدون هذه التقنيات.. وهي دراسة مقلقة للغاية.

وفي ديسمبر 2023، أعلنت تيسلا عن أحد أكبر الاستدعاءات في تاريخها لـ 2 مليون سيارة بغرض إصلاح عيوب برمجية في نظام Autopilot، تحت ضغط كبير من الإدارة الأمريكية لتحسين مستويات السلامة وخفض معدلات الأخطاء المحتملة للنظام.

بوارق أمل

هذه المقالة كانت سلبية إلى حد كبير حتى الآن عن تكنولوجيا القيادة الذاتية، ربما لدرجة غير عادلة في رأي البعض.. ولكنها محاولة لتجسيد الرأي العام والقانوني الحالي في بلدان مثل الولايات المتحدة بعد سلسلة طويلة من الحوادث المثيرة للجدل والأخطاء التقنية الفادحة.

ولكن الوضع ليس سلبياً لهذه الدرجة.. ومن أهم الشركات التي استمرت بتحقيق قفزات تقنية مدهشة في هذا المجال هي مرسيدس، والتي أصبحت أول شركة سيارات في العالم تقدم نظام قيادة ذاتية في سياراتها من المستوى الثالث في الولايات المتحدة.

ولكن هذا النظام متوفر بشروط صارمة جداً.. إذ يعمل النظام في ظروف الطقس المشمس فقط بدون عواصف أو أمطار، وبسرعات أقل من 65 كم\س، كما أن النظام يعمل في طرق محددة فقط في ولايات كاليفورنيا ونيفادا، وفي سيارات محددة فقط هي اس كلاس وEQS.

“تقارير المربع” كيف راح يكون مصير تكنولوجيا القيادة الذاتية بعد انسحاب آبل وجنرال موتورز؟ 5
أول تجربة لسيارة مرسيدس EQS بنظام قيادة ذاتية من المستوى الثالث

ولكنها مع ذلك قفزة تقنية حقيقية وبداية لتطبيقات أهم وأوسع بكثير في المستقبل.. وقد بدأت عدد من شركات السيارات الأخرى بتقديم أنظمة قيادة ذاتية منافسة من المستوى الثالث في بعض البلدان، وخاصة في الصين والتي تشهد ثورة تكنولوجية مذهلة حالياً سواء في المجال الكهربائي أو التوجيه الذاتي وخاصة من شركات صاعدة مثل اكس بنغ.

مرسيدس نفسها صدمت العالم منذ أيام بالإعلان عن بدء اختبارات أول سيارة مزودة بنظام قيادة ذاتية من المستوى الرابع في الصين.. بقدرة على قيادة نفسها في معظم أنواع الطرق والمنعطفات ومواقف السيارات وما إلى ذلك، وهي خطوة مفاجئة عند الأخذ في الاعتبار القيود المفروضة على المستوى الثالث للقيادة الذاتية في سيارات مرسيدس حالياً.

هل القيادة الذاتية من المستوى الخامس النهائي ممكنة فعلاً؟

يوجد خلاف حقيقي بين خبراء السيارات حالياً حول مستقبل تكنولوجيا القيادة الذاتية.. البعض يرى أن استبدال التكنولوجيا للبشر بشكل كامل وفي جميع أنواع الطرق بما يشمل الدروب الوعرة وغير المعبدة هو أمر مستحيل، خاصة وأن أنظمة الذكاء الصناعي المؤسسة لهذه التقنيات غير قادرة على توفير ردود فعل مقبولة لحوادث طارئة لم يتم تدريب هذه الأنظمة عليها من قبل.

ولكن بعض الخبراء يرون أن الأمر ممكن خاصة وأن العالم برأيهم يقترب بالتدريج من مرحلة الذكاء العام الصناعي Artificial General Intelligence، والذي سيمنح الآلات القدرة على تحليل وفهم المواقف بمستويات منافسة وربما متفوقة على البشر أنفسهم، بما يشمل مواقف لم يتعرض لها النظام في مرحلة التدريب، مثل الحوادث الطارئة وما إلى ذلك.

من الصعب الجزم بمستقبل هذه التقنيات المعقدة للوقت الحالي، وليس أمامنا سواء مراقبة ومتابعة أحدث التطورات والاختبارات لصانعات السيارات العالمية خلال الأعوام القادمة، وسنقوم بتحديث هذه المقالة بشكل دوري حسب التطورات.

Image of ask section link

اشترك بالقائمة البريدية

احصل على أخبار وأسعار السيارات أول بأول