محمد عبد الكريم العنّيق
نحن شعب مستهتر وغير مبال، قالها بكل مرارة، واستمعت إليها بالطعم ذاته، ليس لأنها صحيحة 100 في المائة, ولكن لأنها صادرة من شخص له حضوره الاجتماعي لا يرسل الكلام على عواهنه، بل يزن ويعرف ما يقول, كما أنه ليس شابا فأرجع ما يصدر منه إلى حماس الشباب، لذا أصغيت إليه جيدا، إذ لا بد أن لديه من الأسباب ما يجعله يقول مثل ذلك.
ولكن لا يعني ذلك أنني أوافقه على هذه النظرة التشائمية السوداوية القاتمة، تركته يسترسل لبيان وجهة نظره والتنفيس عما يجيش في خاطره، فذكر كثيرا من المشاهد التي آلمته في مناح ٍ عديدة سواء في أجهزة الدولة ذات العلاقة المباشرة بمصالح الناس وحاجاتهم، أو الخدمات التجارية في القطاع الخاص أو السلوك العام في الشارع، وعدم احترام الحقوق النظامية للآخرين والتقيد بالأنظمة.
أحسست أنه يود الاستماع إليه لبث شكواه مما يخفف من ثوران ما في وجدانه عندما يقارن ما يرى ويسمع ويلمس مع ما كان يجده في بلاد الغربة عندما ابتعث للدراسة.
حين أنهى حديثه استشعرت نظراته وكأنها تقول: رد ما سمعت
إن كان غير صحيح، أو لنعترف بالتقصير إذا لم نسع إلى إصلاح ما نرى أنه مخالف للفطرة السليمة قبل الأنظمة المسنونة.
إن هذا الإحساس شجعني على أن أبادله الشعور نفسه في بعض ما قاله وأخالفه في بعضه الآخر.
وقلت إنني أوافقك في كثير مما تقول، ولكني ضد مبدأ التعميم، فلسنا شعبا مستهترا أو غير مبال كما تقول، ولكن لسنا أيضا ً ملائكة منزلين أو بشرا معصومين، ففينا الصالح والطالح، ومنا المتعلم والجاهل . وبيننا الجاد والمستهتر, إننا لا نختلف عن الشعوب الأخرى متى ما وجدنا التوجيه السليم، والتطبيق الحازم للأنظمة، وعدم الانتقائية في العقاب وسوف أدلل على كلامي بمثال حي نشاهده يوميا بل كل ساعة أو كل دقيقة. ويختفي عندما نخرج خارج الحدود كيلاً واحدا. إنه الانضباط المروري ، تلك الممارسة التي أزهقت الأرواح ،ويتمت الأطفال، ورملت النساء.
إن من يرى الكثير من مستخدمي طرقنا شيبا وشبابا, مواطنين ومقيمين يحزم انه ليس لدينا شيء اسمه (نظام المرور), بعض مستخدمي السيارات كأنه في سباق جائزته الكبرى لمن يستطيع بلوغ الهدف في أقل زمن, وعلى كل شخص أن يختار الأسلوب الذي يحقق له ذلك.
أصبحنا نرى قطع الإشارة نهارا جهارا، وهناك من يسير على الرصيف وبخاصةً من يمتطي سيارة صممت لارتياد الصحراء وصعود الكثبان
الرملية، أما أفضلية المرور فحدث ولا حرج، وقد يحدث ذلك أمام رجل المرور المغلوب على أمره، وقد يحاول إيهام نفسه أنه لم ير شيئا، أتدرون لماذا؟
إنه عدم الحزم في تطبيق الأنظمة، أقولها بالفم المليان وأتحمل مسؤولية كلامي وسوف أضرب لكم أمثلة تسند ما أقول وأنا هنا لا أحمل الإدارة العامة للمرور هذه المسؤولية وحدها، إذ إن ما يحدث للأسف ترسخ فينا بسبب المجاملات وتعدد مصادر التوجيه، وكثرة الاستثناءات، وأهم من ذلك عدم وجود جهة مختصة تتابع تطبيق الأنظمة والتعليمات، والتأكد من الجدية في ذلك، والاستمرارية فيها، وانطباقها على الجميع، ولنا في نظام المرور الجديد الأمل بعد الله، شريطة عدم السير في تطبيقه على ما درجنا عليه، والأمل الأكبر في هيئة محاربة الفساد التي طال انتظار ممارستها للمهام الموكلة إليها.
لقد أوردت الوضع المروري لأن الجميع يعيش مآسيه مع أن هناك أمثلة أخرى ذات علاقة بالمثال السابق لا تقل ألما ً صدرت لها أنظمة وتعليمات ولم يتم تطبيقها بشكل ٍ مستمر، إنما كانت لها فورة أسبوعية أو شهرية ثم اضمحلت وذابت كما تذوب الزبدة ٌفي شمسنا الحارقة ومنها:
ربط الحزام أثناء القيادة
لم أشاهد رجل مرور ٍ واحدا يوقف سائقا لم يربط حزامه، وإن كانت الإدارة العامة للمرور قد أشارت مشكورة إلى تسجيل بعض المخالفات ولكنها نقطة من بحر.
– تظليل زجاج السيارات وخاصة من قبل فئة الشباب حتى يخيّل إليك أنها تسير دون قائد لاستحالة رؤية من بداخلها، وهذه قبل أن تكون مخالفة فلها محاذيرها الأمنية والأخلاقية.
ومثال آخر
– أعود فأقول إن الشعب الذي وصفه صاحبنا بالمستهتر وغير المبالي إذا خرج خارج الحدود وعلم مدى الجدية في تطبيق الأنظمة لا يقل عن غيره انضباطا واحتراما لقانون البلد الذي ذهب إليه، وهذا يعني أن ما ورد في الأثر (إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن ) مبدأ يجب الأخذ به، والحرص على تطبيقه، مع أهمية أن تكون قراراتنا مبنية على دراسة صحيحة وقابلة للتطبيق حتى يمكن حمل الجميع على الالتزام بها، وإلا تكون العامة من الناس هم المستهدفون وحدهم، وكأنها لم تصدر إلا لهم وعليهم.
إن من علامات رقي الشعوب إحترامها الأنظمة والالتزام بمحتواها وأن يكون الجميع سواسية أمامها، فليس هناك من هم فوق النظام وآخرون تحته.
إن الأمر أكبرُ من أن يسطر في مقال ولكن الألف ميل تبدأ بخطوة، فهل نراجع أنفسنا ؟ مجرد سؤال ولكن له تبعاته ونتائجه.
اشترك بالقائمة البريدية
احصل على أخبار وأسعار السيارات أول بأول
اختر علامتك لمتابعة أخبارها وسياراتها