إنها «جنرال موتورز» بعلاماتها المنضوية تحت لواءها: «شيفروليه» و»بونتياك» و»أولدزموبيل» و»بويك» و»كاديلاك»؛ حيث استحوذت على قرابة
60 بالمئة من حصة السوق الأمريكية في الستينيات، عندما كانت حصة صُنّاع ديترويت الثلاثة الكبار محتمعة تبلغ 90 بالمئة من مبيعات سوقهم الداخلية، ولكن في السبعينيات تعرضت المجموعة الأمريكية لاهتزازات وعقبات مالية سببها أزمة البترول واضرابات العمال، وأيضاً ظهور لاعبين آخرين على الساحة، وهم الشركات اليابانية شأن «تويوتا» و»هوندا» و»نيسان». وفوق هذا وذاك، واجهت «جنرال موتورز» منافسة قوية من صانع أمريكي شقيق، وهو مجموعة «فورد موتور كومباني»، خصوصاً بعد اشتداد عود «فورد» في أوائل الثمانينيات والتسعينيات عقب هروبها من شبح الإفلاس عام 1979، حتى إن العديد من المراقبين والمحللين تنبأوا بإزاحة «فورد» لـ «جنرال موتورز»، لتتربع الأولى على عرش أكبر صانع سيارات أمريكي، بل وعالمي أيضاً! ولكن أي من هذا السيناريو لم يحدث؛ فبينما انشغلت «جنرال موتورز» بمنافسة جارتها «فورد»، كان هناك صانع أجنبي يلمع نجمه يوماً بعد يوم، وهو صاحب أول مُنتج ياباني المنشأ يحط على الأراضي الأمريكية. نعم، نجحت «تويوتا» اليابانية التي طرحت طرازها «كراون» بالسوق الأمريكية عام 1957، في إزاحة مجموعة «جنرال موتورز» الأمريكية في النصف الأول من عام 2007، بوصفها الصانع الأول على مستوى العالم في حجم الإنتاج الإجمالي، وذلك على الرغم من التوسّعات الكبيرة التي قامت بها «جنرال موتورز» في الصين، بوصفه أكبر سوق للمجموعة الأمريكية العملاقة بعد الولايات المتحدة الأمريكية! إشارة إلى أن المنافسة الشرسة ليست سوى عامل واحد من عوامل عديدة أدت إلى تدهور مبيعات «جنرال موتورز»، وتعرضها لخسائر شديدة على مدار الأعوام القليلة الماضية، كان أبرزها خسائر عام 2005 وحدها، والتي بلغت 10.4 مليار دولار، الأمر الذي دفعها قدماً نحو خطط إعادة هيكلة صارمة، أدت إلى إقفال عشرات المصانع وتسريح أكثر من 30.000 عامل وموظف، مع أنها في أشد الحاجة لخبرة هؤلاء العاملين، لاسيما في مجال الإنتاج. الأمر الذي يدعو للدهشة، أن «جنرال موتورز» لاتزال تكررها مراراً بأن خطط إعادة الهيكلة بدأت تؤتي بنتائج مُبشّرة، علماً بأن حصتها في سوقها المحلي تتقلص بإطراد. وفي المقابل، ما زالت «تويوتا» تقضم حصص الصانعين الأمريكيين مجتمعة، بعدما أزاحت «كرايسلر» أولاً، ثم «فورد» ثانياً، لتصبح في المركز الثاني على صعيد المبيعات في السوق الأمريكية الأكبر في العالم بعد «جنرال موتورز»! وبالانتقال إلى فعاليات معرض «ديترويت»، ينبغي لنا أن نقف قليلاً لنستمع إلى كلمات «ريك واغنر»، الرئيس التنفيذي لمجموعة «جنرال موتورز»، بقوله «إن صناعة السيارات الأمريكية في كساد في الفترة الراهنة، ولكن علينا أن نجتاز تلك المحنة، طالما أن المناخ الاقتصادي لم يصل إلى أسوءه بعد»! ربما أن سر تفاؤل «واغنر» مرده الاتفاق التاريخي الذي توصل إليه مؤخراً مع نقابات العمال لخفض نفقات الضمانات الصحية والاجتماعية، وأيضاً أجور الأيدي العاملة بمقدار 5 مليارات دولار في غضون الثلاثة أعوام المقبلة، علماً بأن الاتفاق المذكور يلزم «جنرال موتورز» على دفع 47 مليار دولار تكاليف تقاعد وضمانات صحية للعمال، على أن تقوم الم
برواتب منخفضة وضمانات اجتماعية وصحية رخيصة. كما تعزو نبرة التفاؤل تلك أيضاً، إلى عزم «جنرال موتورز» إلى زيادة طاقتها الإنتاجية في أسواق واعدة، شأن «الهند» و»البرازيل» و»الصين» و»كوريا»، إشارة إلى أن «جنرال موتورز» قد اشترت في الماضي القريب شركة «دايوو» الكورية بعد إفلاسها، ونجحت في تسييرها نحو الازدهار واستعادة حصصها في الأسواق الكورية، بعدما قدّمت سيارات رخيصة السعر عالمياً، تحمل شعار المجموعة! الغريب أن «واغنر» بنبرة تملؤها الفخر والعزّة، قد صرح بأن ما يقرب من 75 بالمئة من مبيعات «جنرال موتورز» من المتوقع أن تأتي من خارج الحدود الأمريكية خلال عقد من الزمان! إضافة إلى أن السيولة المالية للمجموعة في نهاية عام 2007 الماضي، قد بلغت 27 مليار دولار، أي بزيادة قدرها 32 بالمئة مقارنة بعام 2005 الدرامي!
ولكن، في تقديرنا الخاص، أن المشكلة لا تكمن في تسريح وقطع أرزاق العمال، وإنما تقع المسؤولية على عاتق أصحاب القرار في «ديترويت»، وغيرها من المواقع الفرعية في العالم شأن شركة «جي إم داييو أوتو تكنولوجي» الكورية، وصولاً إلى أسواق الشرق الأوسط؛ فالمصاريف تُهدر على قدم وساق دون خطط موضوعة بإحكام، كالتي تنتهجها «تويوتا» على سبيل المثال، فالأخيرة تعمد إلى تسويق طرازاتها بفكر واعي، علماً بأنها تقوم بتدشين مواصفات مُخصّصة لكل سوق على حدة، مما يعني زيادة القدرات التنافسية مقارنة بمثيلاتها أجنبية المنشأ. وفي الجانب المقابل، وعلى الرغم من التحسّن الكبير في هذا الصدد، إلا أن موديلات «جنرال موتورز» لاتزال تفتقر الجاذبية باستثناء بعض الطرازات مثل «كاديلاك» مثلاً، ناهيك عن القصور الميكانيكي للعديد من الطرازات، فلا تزال هناك بعض المشاكل التقنية لطرازات المجموعة، تتمثّل في الأصوات المرتفعة للمحركات عن المألوف، أو أن ناقل السرعات عالق ويحتاج إلى مجهود لتغيير السرعات وغيرها، وذلك على الرغم من الجودة العالية لبعض الطرازات الأمريكية الجديدة مثل «كاديلاك سي تي إس» التي قد تُحقق مبيعات جيدة، فقط مع حسومات وخصومات كبيرة، ولكنها لن تسحب بساط المبيعات من تحت أقدام «أكورد» أو «كامري» أو «مازدا 6، وجميعها سيارات منافسة. إذن المشكلة كما ذكرنا قد يتم استيعابها إذا ما تم إعادة النظر في العديد من الهياكل الإدارية، ومنها أقسام التطوير والأبحاث والدراسات، وكذلك المبيعات والتسويق، من خلال التدقيق في المصاريف الضخمة التي يُجرى هدرها، قياساً بالمردود المادي والمعنوي المنتظر. ربما بعد تلافي تلك العيوب، قد تتعافى المجموعة الأمريكية العملاقة، وتتربّع على مركز صدارة المُصنّعين للسيارات في العالم مُجدداً!
اشترك بالقائمة البريدية
احصل على أخبار وأسعار السيارات أول بأول
اختر علامتك لمتابعة أخبارها وسياراتها